تقديم
يلعب العرف دورا هاما في حياة المجتمعات الصحراوية بحيث ينظم العلاقات الاجتماعية بينهم، ويحتكمون إليه في كل معاملاتهم .
و يعتبر حفظ النفس من مقاصد الشريعة التي جاءت لحمايتها وتكميلها، قال تعالى : “و لكم في القصاص حياة يا أولي الالباب لعلكم تقون ” سورة البقرة الآية 179
إن حياة البيضان تحكمها تشريعات متنوعة تتعلق بالجنايات ، وبأمور الصلح في الحروب، أو ما يصطلح عليه بالحسانية “غزي ” الذي يتحمل مجلس أيت أربعين الحكم فيها، ويكون حكمه ملزما للمتخاصمين من الناس ،وحتى بين القبائل .
وتكمن أهمية البحث في الموروث الثقافي الحساني في إحياء هذا التراث الذي اندثرت معالمه مع تقدم الزمن، وهذا يدعونا كباحثين إلى توثيق هذا التراث لأنه يعتبر مكونا من مكونات الثقافة الحسانية الضاربة في أعماق تاريخ المنطقة، ولأن أغلب هذا التراث شفوي يحتاج إلى توثيق وتدوين لحفظ الذاكرة الجماعية للأجيال القادمة.
وسأتناول في هذه السطور كلمة موجزة عن دور “اجماعة” في تخليق الحياة العامة .
المبحث الأول:الجماعة ودورها في تخليق الحياة العامة
المطلب الأول : مفهوم الجماعة
يعرف الباحث محمد دحمان الجماعة على أنها تتشكل من جماعة الرجال المسنين الممثلين للأسر العريقة داخل المخيم السكني الدائم “لفريك” كما تحمل الجماعة تسمية :أيت أربعين “في الساقية الحمراء ،و ذلك في فترات الحروب القبلية أو عند الضرورة للقيام بالمراقبة المستمرة لضاية ماء أو مرعى يخاف عليه من التدمير.
تعد الجماعة من بين أهم المؤسسات التي تعنى بتدبير شؤون وأمور القبيلة على المستويين الداخلي والخارجي، كما أن هذه المؤسسة هي الجهاز الذي يبت في كافة القضايا التي تطرح عليه، وتكون مرجعيته في البت فيها هو القانون العرفي، الذي سنته القبيلة وتوافقت عليه كافة أطرافها وأفرادها، فيصبح هو القانون المنظم لكافة أمورها
إن مصطلح “اجْمَاعَهْ “في الثقافة الحسانية يعني اجتماع كبار السن من أهل العقل والرأي والحكمة والتجارب ،وشيوخ القبيلة وأصحاب الوجاهة من أجل أمر مهم كالزواج ،أو الصلح ،أو تدراس أمور الحرث ،وتقسيم الأرض ،إلى غير ذلك من الأمور المهمة والخطيرة في المجتمع .
لقد كانت “اجماعه” إلى عهد قريب تفصل في النزاعات ،وتضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بأخلاقيات “لفريك” أو عدم تبليغه بوجود خطر أو عدو غاشم يهدد أمن وسلامة القبيلة .
إن من بين أهم مؤسسات القبيلة في تدبير شؤونها على المستوى الداخلي والخارجي على حد السواء هي الجماعة أو ما يصطلح عليه بالحسانية “اجْمَاعَهْ” ،فهي الجهاز التشريعي القضائي الساهر على تنفيذ بنود العرف القانونية ،وتنظيم شؤون القبيلة والبت في كل أمورها .وتستمد الجماعة شرعيتها من المجموعة التي فوضت لها سلطة تدبير شؤونها التي تتجاوز البعد القانوني العرفي إلى ما هو سياسي ،باعتبارها سلطة تنظم شؤون القبيلة .ومؤسسة الجماعة ليست حديثة في التنظيم القبلي بشمال إفريقيا ،ففي بداية حركة الموحدين نعثر في التنظيم الذي وضعه ابن تومرت اسم “أهل الجماعة”و”أهل الخمسين “الذين يملكون السلطة العليا في تدبير شؤون المجتمع .
المطلب الثاني :مهام الجماعة
تشكل القبيلة انتماء بالنسبة للفرد ،فهي التي تحفظ له الأمن بواسطة مجلس أيت أربعين ،وتوجه جل مناحي الحياة العامة للأفراد ،فالقبيلة هي التي توجه كل شيء ويكون ملزما للفرد ،ولا بد أن يخضع لها بالامتثال لكل ما تشرع وتملي عليه ،كما أنها هي الموجه الأساسي للاقتصاد البدوي ،وذلك بالتدخل المباشر في سياسة الانتجاع والرعي في الأماكن التي تكون غنية بالعشب والكلأ ،كما كانت القبيلة تتدخل في تقسيم الأراضي في مواسم الحرث بين أفرادها ،وكانت للقبيلة فئة قائمة على تسيير شؤونها ،فمثلا إذا ظلم أحد تأتي إليه الجماعة وتسأله عن سبب ذلك ،وإذا اتضح ظلمه تجبره على رد المظالم لأهلها والتصالح مع المظلوم والاعتذار له وكذا الشأن فيما يتعلق بالخلافات التي كانت تحصل بين الأزواج تتدخل فيها القبيلة فورا من أجل عقد الصلح بين الزوجين ،وإن لم يحصل ذلك يتم الاتفاق على الفراق الطلاق مع الحفاظ على علاقات ودية وطيبة بينهم وبين أسرهم
لقد كان لهذه المؤسسة العرفية أدوار تنظيمية على المستوى الداخلي ، تمثلت في وضع قانون عرفي يستمد بعض أحكامه من الشريعة الإسلامية ، وينظم الحياة تارة ، وتكمل ما سكت عنه تارة
فكل من خالف هذا النظام بفعل أمر فيه تنقيص بالقبيلة ،أو الجماعة فإنه يتعرض للعقوبات التي قد تكون مادية أو معنوية .
وتعتبر كذلك أيت أربعين “هيئة متنقلة بين القبائل للفصل في مختلف القضايا ،وترتكز أحكامها على تطبيق قوانين عرفية مكتوبة مؤسسة بذلك قواعد القانون العرفي داخل القبيلة “
كما أن اجماعه لها سلطة تنظيم المجال الرعوي ،وخصوصا عند نزول الأمطار ،واكتشاف المناطق المناسبة للحرث والرعي بحيث تتفادى وقوع الخلاف بين أهل الحيوان ،أو أهل الحية كما يصطلح عليه وبين المزراعين الذين يحرصون على حرث الأرض والحفاظ على المناطق المزروعة من أن ترتع فيها الإبل أو الغنم .
وبالنسبة لأمور الزواج لا بد أن تؤطره عادات معروفة في المجتمع الصحراوي وهي “اجماعه” فبمجرد رغبة الرجل في الزواج من امرأة فحسب العادة لا بد أن يرسل جماعة من الرجال الذين ينتمون لقبيلته والذين يتمتعون بالحكمة وحسن الرأي وجودة الكلام إلى أهل المرأة قصد ترتيب أمور الخطبة وتوثيق عقد الزواج .
لقد تعددت الأدوار التي تقوم بها مؤسسة اجماعه، فهي الساهرة على تنظيم علاقة أفراد قبيلة يكوت فيما بينهم ، إلى جانب علاقاتهم بباقي القبائل الأخرى
“غير أن وظيفة هذه المؤسسة عرفت تغيرا ملحوظا بفعل التحولات التي مست هذا المجتمع وبنياته الثقافية والاجتماعية بشكل عام سواء مع التواجد الاستعماري أو بعده مع التنظيمات الحديثة لمؤسسات الدولة
وإذا ثبت على أحد الرجال شيء من النواقص كالتفريط في أداء ديونه ،أو أكله لأموال الناس بالباطل ،أو عدم التزامه بالأخلاقيات العامة في المجتمع فإن الجماعة تتواصى فيما بينها على أنها تنصحه وتوجهه في كل وقت وحين ،وتستغل فرصة وجوده في المجامع لتأكيد النصح حتى ينصاع لأمر الجماعة ،ويتخلى عن الرذائل التي قد يفعلها
فاجتهادات الجماعة فرضتها ضروريات مرتبطة بالواقع اليومي ،حرصا منها على ضبط العلاقات داخل المجتمع ،وتجنب الفوضى ،وهو في حد ذاته ما يسير في اتجاه مقاصد الشريعة
المطلب الثالث : أعراف اجماعة في مجال العقوبات
إن أي جماعة خاصة بقبيلة معينة لا بد لها أن تجتمع وتتفق على نوع المخالفات التي تستحق العقوبة ،ونعني بالعقوبة هنا :العقوبة المالية أو التعويض عن الضرر .
ولا بد لمجلس الجماعة أن يكون فيه فقيه أو قاضي ملم بالعرف وأحكام الشريعة لتحقيق العدالة داخل المجموعة القبلية
ومن خلال تصفح أعراف بعض القبائل نجد أن العقوبات التي يتفقون عليها متقاربة خصوصا فيما يتعلق بالضرب والجرح والسرقة ،والاغتصاب ،وحمل السلاح على أحد ،أو عدم تبليغ جماعة القبيلة بخطر عدو غاشم ،وأنهم يعتمدون على فقيه قد تكون له مرتبة عالية من العلم تؤهله كي يكون قاضيا بينهم فيكتب الوثيقة التي يتفقون فيها على عرف القبيلة الذي ينظم علاقتهم فيما بينهم ، ويتحملون مسؤولية تطبيق ما في هذه الوثيقة من أمور تحفظ أمن القبيلة ،وتنظم علاقاتها فيما بين منتسبيها ،أو إحدى القبائل الأخرى .
لقد اجتهدت الجماعة في حفظ نظام الأمن في المجتمع القبلي حسب العرف الذي اتفق عليه صلحاؤها وعقلاؤها ،ولكن هل هذه العقوبات ما زالت سارية في عصرنا الحالي ؟
ما علاقة العقوبات العرفية بالشريعة الإسلامية ؟
هل يمكن أن تكون العقوبات المالية بديلا عن الشريعة الإسلامية ؟
الزْوَايا و التنمية في مجتمع البيضان
إن لمفهوم “الزاوية” في الثقافة البيضان دلالة خاصة، لها دعامات و أركان. و قد ارتبطت في المجتمع الصحراوي بقبائل محدودة، عنيت بالشؤون الدينية و تربية المجتمع على القيم الإسلامية.
الحكاية الشعبية الصحراوية، خزّان لغوي و ثقافي
اشترك الحكايات الشعبية في الصحراء بصفة عامة مع الأمثال والألغاز وغير ذلك في كونها ذلك المنقول الشفاهي بالتوارث عبر الأجيال، والذي لا يُعرف مؤلّفُه على وجه التحديد،
عناية علماء الصحراء و شنقيط بالحديث النبوي الشريف
لقد نال علم الحديث وفقهه شرف العناية والاهتمام من لدن علماء الإسلام على مر العصور وتعاقب الدهور، فوضع علماء الجرح والتعديل أصولا علمية و قواعد و مناهج كلية لتلقي