و يصدر الكتاب في إطار سلسلة الدراسات و الأبحاث للمركز التي سيعلن عن عدد من الإصدارات علمية و أكاديمية المتميزة في تخصصاتها العلمية في القريب العاجل، هذه الإصدارات تشرف عليها لجنة علمية تتكون من نخبة من الأساتذة و الدكاترة و الباحثين، على المستوى الجهوي و الوطني و الدولي، المنتمين إلى تخصصات علمية متنوعة.
يطرح الكتاب قضية من القضايا الكبرى المرتبطة بحقوق الإنسان، من خلال مدخل ماهية الإنسان و حقيقته التي تتنازعها مدارس فكرية و تيارات معرفية و فلسفية، تختلف على مستوى الأسس و المرجعيات لمفهوم الإنسان، و قد حاول الدكتور محمد عالي الجماني الخروج من حالة التنازع الفكري و التنافر المعرفي، إلى فضاء رحب من التوافق و الانسجام، من ضيق الاختلاف إلى رحابة الائتلاف؛ عبر التأسيس لرؤية إنسانية مبنية على الوحي الإلهي، هذه الرؤية تشمل المحافظة على كل حقوق الإنسان التي تتأسس على الوحي الإلهي، لأن القرآن الكريم هو الموجه الرئيسي للإنسان، والممتلك لحقائقه وأصله ومساره ومآله، دون إغفال الانفتاح على مكتسبات الرؤية الوضعية التي ساهمت في الرقي بالإنسان في مناحي الحياة العديدة، وفق مقاربة بنائية تكاملية تحيط بمختلف الأسئلة الإنسانية المتعلقة بحقوق الإنسان، و التنمية، و الديمقراطية، و غيرها من الموضوعات المرتبطة بالإنسان.
ينقسم الكتاب من حيث المقاربة المنهجية، إلى ثلاثة مباحث، يعتبر المبحث الأول للكتاب مدخلا مهما في إدراك بيان خصائص و مقاصد الرؤية القرآنية، و هي رؤية توضح الصورة الشاملة للإنسان و الحياة و الكون، و تخاطب عقل الإنسان و وجدانه، و تعلمه عقيدة التوحيد و تزكيه بالعبادة و الأخلاق النبيلة، و تهديه إلى ما فيه خيره و صلاحه في حياته الفردية و الاجتماعية، و ترشده إلى الطريق الأمثل لتحقيق إنسانيته، و هي إنسانية ترتقي به في مدارج الكمال الإنساني حتى يستطيع تحقيق السعادة لنفسه في الدنيا و الآخرة.
و قد تناول الدكتور الجماني في المبحث الثاني مفهوم الإنسان في الرؤية القرآنية من خلال بيان النموذج الإنساني في القرآن الكريم، و لعل أهم الخلاصات في هذا المبحث أن آيات القرآن الكريم تبين بكلّ وضوح أنّ الإنسان هو المحور الأساسي للوحي الإلهي، و كلّ ما جاء في القرآن الكريم، إمّا حديث إلى الإنسان، أو حديث عن الإنسان، أو عن شيء يتعلق بالإنسان بشكل أو بآخر، لذلك فالخطاب القرآني الموجه إلى الإنسان خطاب شامل، يبدأ من خلقه و ينتهي بمماته، و يدله على سعادته في الدنيا و الآخرة، و يحدثه عن طبيعته و صفاته السلبية و سبل تجاوزها، و لم يغفل القرآن الكريم عن الطبيعة البشرية، التي تعبر عن نقص الإنسان، بل تحدث عنها و دعا إلى الارتقاء عنها للوصول إلى مرحلة النضج و الكمال الممكن تحقيقه.
و جاء المبحث الثالث و الأخير للكتاب تحت عنوان: مفهوم الإنسان في الرؤية الوضعية من خلال نماذج: أوكست كونت، امانويل كانط، كارل ماركس، من خلال مناقشة المضامين الفكرية و الفلسفية لهذه النماذج بمقاربة علمية موضوعية، تبتعد عن كل تكلف في الشرح، و عن كل تعسف في التأويل أو شطط في الاستنباط، و ذلك ببيان أطرها المرجعية و تطبيقاتها على الإنسان المعاصر أو بالأحرى بيان الأسس التي يقوم عليها مفهوم الإنسان في الرؤية الوضعية و تجلياتها الحضارية، باعتبارها مرجعية فكرية و فلسفية توجت بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، و هي وثيقة بارزة شكلت إنجازاً في تاريخ الرؤية الوضعية لمفهوم الإنسان لتصل إلى حقوقه. ثم تدوين هذه الحقوق؛ في نصوص و إعلانات و اتفاقيات لتصبح المحرك الأساسي للعلاقات الدولية.
و في ختام هذا الكتاب؛ يستعرض الدكتور محمد عالي الجماني؛ عدداً من النتائج و الخلاصات، لعل من أهمها أن الإنسان الذي هو محور دراسة العلوم ليس عددا أو شكلا مما تدرسه العلوم الرياضية، كما أنه ليس مادة من مواد العلوم الطبيعية، و ليس آلة من مواد العلوم الاقتصادية، فالإنسان مخلوق ثنائي التركيب روح وجسد.
الرؤية القرآنية قد ركزت على خصائص الطبيعة الإنسانية التي تقوم على وحدة الكيان الإنساني الثنائي التركيب، روح ومادة التي تحقق وحدة الوجود الإنساني وتوازنه.
تبرز أهمية موضوع الإنسان في الرؤية القرآنية و الوضعية، باعتبار الوحي الإلهي موجها للفكر الإنساني لبيان حقيقة الإنسان، من خلال مقاربة منهجية بنائية تكاملية بين الرؤيتين، و التي تؤسس لكل القضايا المتعلقة بالإنسان، حقوق الإنسان، و التنمية البشرية , و الديمقراطية، و غيرها من الموضوعات المرتبطة بالإنسان.
و في الختام، نهيب بكريم علمكم أن الكتاب يتوفر في عدد من مكتبات المملكة المغربية نذكر منها؛ المكتبة الوطنية بمدينة الرباط، و مكتبة آل سعود بمدينة الدار البيضاء، و المركب الإداري و الثقافي محمد السادس التابع لوزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية بمدينة مراكش، و مكتبة العيون تقرأ بمدينة العيون.